مصطفى العقاد.. نهاية تراجيدية لمخرج الملاحم العربية ومبتكر سينما الهالوين

مصطفى العقاد: أيقونة سينمائية سورية

مقدمة

لطالما حظي مصطفى العقاد، المخرج والمنتج السوري، باهتمام كبير. ما بين ولادته في حلب إلى وفاته المأساوية في عمان، حفل مسيرته المهنية بالنجاحات والنضالات والمآسي. وهنا نستكشف سيرته الملهمة، مركزين على المعاني الدائمة التي وجهت إنجازاته بدلًا من سردها بطريقة خطية.

“الرسالة” و”أسد الصحراء”: ملاحم تنتصر لقيم الكفاح المقدس

قدم العقاد السينما العربية بفيلمين تاريخيين: “الرسالة” (1976) و”أسد الصحراء” (1981). عالج “الرسالة” ظهور الإسلام، بينما عرض “أسد الصحراء” سيرة القائد الليبي عمر المختار في مقاومته للاستعمار الإيطالي.

اتبع الفيلمان نموذج بناء الحبكة الدرامية الهوليودية، حيث تتطور الأحداث نحو ذروة تشكل رسالة ما. تميز الفيلمان أيضًا بعظمهما، حيث اندمجت الذات الفردية في وجود جماعي متناغم، وهذا ما سمح للعقاد بإظهار مهارته في تصوير المعارك وإضفاء طابع مقدس عليها.

“عمر المختار” و”موسوليني”: هدوء الأخيار وشقاء الأشرار

في فيلم “أسد الصحراء”، تجسد “أنتوني كوين” شخصية عمر المختار ببراعة. أظهر “كوين” هدوءًا وتوازنًا، مما يعكس روح الشخصية الحكيمة والمتوازنة. وعلى النقيض من ذلك، صور العقاد الشخصيات الشريرة مثل “موسوليني” في “الرسالة” والإيطاليين في “أسد الصحراء” على أنهم متوترون، رغم قوتهم المادية الظاهرة.

مراعاة المشاهد الغربي: هوية عربية تفرض نفسها على هوليود

حرص العقاد على مخاطبة المشاهد الغربي عند تشكيل أفلامه. ففي “الرسالة”، قدم نسخة إنجليزية مع ممثلين رئيسيين أمريكيين، وتمحور الفيلم حول مناقشة الصور النمطية الغربية للعرب والمسلمين.

سعى العقاد إلى إبراز إسهامات الحضارة العربية في تقدم الإنسانية ونشر قيم التسامح والمساواة بين الجنسين. كما أشار إلى وحدة الأديان الإلهية من خلال تضمين حوار بين جعفر بن أبي طالب والنجاشي حول الإسلام والمسيحية.

سينما العقاد الأمريكية: بصمة خاصة لأفلام أكثر مرحًا وأقل جدية

تميزت أفلام العقاد الأمريكية بطابع أكثر مرحًا، مثل الفيلم الكوميدي “جولة حرة” (1986). كما أخرج فيلم “موعد مع الخوف” (1985) وأنتج سلسلة أفلام “هالوين” (Halloween) الشهيرة.

استلهم العقاد فكرة “هالوين” من تقليد احتفال عيد القديسين، حيث تنتشر قصص الرعب والأشباح. حقق الجزء الأول نجاحًا كبيرًا، حيث اعتُبر فيلم رعب كلاسيكي وأحد أكثر الأفلام المستقلة ربحًا في عصره.

سينما الهالوين: نمط فني من إنتاج العقاد يغزو قاعات العرض

بعد نجاح “هالوين”، ظهر نمط سينمائي جديد. تنافست شركات الإنتاج في إنتاج أفلام الهالوين، مما أدى إلى ظهور تقاليد في استهلاكها في الأسبوع الأخير من أكتوبر. ويرجع الفضل في ظهور هذه الأفلام في الأصل إلى العقاد، الذي امتلك حقوق ملكيتها الفكرية.

حمل فيلم “هالوين” بصمة العقاد في أسلوبه، الذي تشابه مع أسلوب ألفريد هيتشكوك في التشويق والأجواء النفسية. وقد ساعد العقاد هيتشكوك في إخراج بعض أفلامه سابقًا.

فندق عمان: تفجير ينهي حياة مخرج يحارب الإرهاب

كان العقاد شخصية متناقضة. في أمريكا، أنتج أفلام الرعب التي تستهدف الشباب. وفي العالم العربي، أنتج أفلامًا ملحمية جادة تدافع عن أمته. كان يرى أن السينما هي منصة لمحاربة حملات الصهيونية التي تربط الإسلام بالإرهاب.

ولكن لقي العقاد حتفه بشكل مأساوي في تفجير إرهابي في فندق عمان. ومن المفارقات أن نهاية المخرج الذي صنع الملاحم العربية كانت مأساوية ومكتوبة بأياد عربية.

خاتمة

استكشفنا السيرة الملهمة لمصطفى العقاد، الذي ترك بصمة دائمة على السينما. كرس نجاحه ونضالاته ومآسيه في صناعة أفلام ذات مغزى عميق ودفاع عن القيم الإنسانية والهوية الثقافية. ستظل أفلامه شهادة على إبداعه وتفانيه.